يطلق اسم (سماء) على كل ما علا وارتفع فوق رؤوسنا، وعلى ذلك يكون سقف الأرض الذي يرتفع بآلاف الكيلومترات فوق سطح الأرض(عبر الفضاء الكوني) بمثابة سماء لأهل الأرض.هذا السقف ـ أيضاً ـ هو الغلاف الجوي الذي تمسكه الأرض وتحتفظ به وتحول دون تسربه في أرجاء الفضاء الكوني، وذلك بقبضة جاذبيتها الكبيرة، بينما يندفع الهواء إلى أعلى لكي ينطلق إلى الفضاء الكوني، لأن من خصائص الغازات الانتشار إلى الفضاء الذي تتعرض له.
وتتساوى قوة اندفاع الهواء إلى أعلى مع قوة جذب الأرض إلى أسفل، فيظل الغلاف الجوي مرفوعاً إلى ما شاء الله.
وصدق الله العظيم إذ يقول
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها)(الرعد/2).
أما (القبة الزرقاء): فهي ناجمة عن تفتت أشعة الشمس الزرقاء بوفرة وغزارة في طبقات الهواء الكثيفة نسبياً قرب سطح الأرض إلى ارتفاع نحو 200 كيلو متراً.
قررت المنظمة الدولية للأرصاد الجوية wmo، في عام 1962، وصف الغلاف الجوي، البالغ سمكه 35ألف كيلومتر، وذلك عن طريق تقسيمه إلى الطبقات التالية:
1. طبقة التروبوسفير()Troposphere: هي الطبقة الملاصقة لسطح الأرض، ويبلغ متوسط ارتفاعها حوالي 11كيلومتر فوق سطح البحر، وتسمى (بالطبقة المناخية)، لأنها الطبقة المؤثرة في تغيرات المناخ، وفيها تحدث كافة الظواهر الجوية(كالأمطار والسحاب والرياح والضباب والعواصف الرعدية والترابية والاضطراب في الطقس والمناخ). وتحتوي هذه الطبقة أيضاً على معظم بخار الماء الموجود في الغلاف الجوي. وأما كتلة الهواء الموجودة في هذه الطبقة فإنها تعادل 80% من كتلة الغلاف الجوي بأكمله. وتقل درجة حرارة الهواء وكثافة وضغطه والجزائيات الثقيلة كلما ارتفعنا إلى الأعلى في هذه الطبقة.
2. طبقة الاستراتوسفير()Stratospher:يتراوح ارتفاعها ما بين 11كيلومتر و50كيلومتر، فوق سطح البحر. وتتميز هذه الطبقة بالاستقرار التام في جوها، حيث ينعدم بخار الماء فيها، وتخلو من الظواهر الجوية.
وتحتوي هذه الطبقة على طبقة (غاز الأوزون)، وهو جزئ مكون من ثلاث ذرات أكسجين، وله القدرة على امتصاص 99% من الأشعة فوق البنفسجية المهلكة الصادرة من الشمس. ويتراوح ارتفاع غاز الأوزون داخل طبقة الستراتوسفير بين 20 و 30 كيلومتر فوق سطح البحر. وتشكل طبقة الستراتوسفير حزاماً واقياً يجنب الإنسان والحيوان والنبات مضار الأشعة فوق البنفسجية من النوع C.B، لأن الإنسان إذا تعرض للنوع C بالذات فإنه يصاب بسرطان الجلد (عند ذوي البشرة الشقراء)، بالإضافة إلى الإصابة بعتامة عدسة العين، وتقليل المناعة للإنسان، مما يجعله عرضة للأمراض المعدية. وغاز الأوزون غاز سام لذلك يستخدم في عمليات التعقيم بدلاً من الكلور. ولا يستطيع الإنسان أن يتنفسه لأنه يؤدي إلى تدمير الرئتين تماماً.
أما جزئ الأوكسجين فيحتوي على ذرتي أكسجين، وهو الغاز اللازم لتنفس الإنسان، ولكن ليس له أي قدرة على امتصاص الأشعة فوق البنفسجية المهلكة الصادرة من الشمس، من النوع BوCوتزداد الحرارة بالارتفاع داخل طبقة الاستراتوسفير، نتيجة لامتصاص الأوزون للأشعة فوق البنفسجية للشمس.
3. طبقة الميزوسفير()Mesophere:
هي الطبقة التي تعلو الاستراتوسفير، ويتراوح ارتفاعها بين 50 ـ 85 كيلومتر، فوق سطح البحر. وتتميز بتناقص مستمر في درجات الحرارة مع الارتفاع فوق سطح البحر، حتى تصبح درجة الحرارة في أعلى هذه الطبقة منخفضة جداً(حوالي 90 درجة مئوية تحت الصفر)، وهي أقل طبقات الغلاف الجوي في درجة حرارتها.
4. طبقة الأيونوسفير()Ionosphere:
تمتد هذه الطبقة من ارتفاع 85 كيلومتر إلى 700 كيلومتر تقريبا فوق سطح البحر، وتحتوي على كميات كبيرة من الأوكسجين والنيتروجين المتأين والإلكترونات الحرة(بعد تأين جزيئات الأكسجين والنيتروجين المتعادلة بفعل الأشعة السينيةX-ray)، وهي مقسمة إلى ثلاث طبقات داخلية D.E.Fولكل منها خصائصه المميزة، ويتغير سمكها بتغير الليل والنهار وبتغير الفصول والنشاط في الشمس (البقع والانفجاريات الشمسية).
الشكل التالي يبين طبقة الأيونوسفير يظهر في الشكل أهمية هذه الطبقة لعكس موجات الرادار
5. طبقات الثرموسفير
)Thermosphere:بعد غزو الفضاء، أوضحت أرصاد الصواريخ والأقمار الصناعية أن درجة حرارة الطبقة الممتدة من ارتفاع 80 كيلومتر وحتى 200 كيلومتر، فوق سطح البحر،تتراوح ما بين 180كلفن، 1800كلفن، وسبب هذه الزيارة في درجة الحرارة هو امتصاص المكونات الجوية في هذه الطبقة للأشعة فوق البنفسجية ذات الطاقة العالية (والمسماة XUVأو EUV) وقد تنفذ الجسيمات عالية الطاقة في المجال المغناطيسي للأرض، وتتفاعل مع المناطق العليا من الغلاف الجوي مولدة حرارة إضافية.
صورة توضيحية لتوضع طبقة الثرموسفير
6. طبقة الإكسوسفير
)Exosphere:يتراوح ارتفاعها بين 700 كيلومتر، 35000كيلومتر فوق سطح البحر، وهي قليلة الكثافة، لذلك فإن الجزيئات في هذه الطبقة تكون لها حرية في الحركة تسمح بهروبها من الغلاف الجوي للأرض (إذا كانت سرعتها الحرارية أكبر من السرعة الحرجة اللازمة للتغلب على جاذبية الأرض). ومن الطبيعي أن تتركز جزيئات الغازات الخفيفة (مثل الهيدروجين والهليوم) في طبقات الجو العليا، وبسرعات عالية.
صورة توضيحية لتوضع طبقة الإكسوسفير
7. الماجنتوسفير()Magnetospher: يمتد المجال المغناطيسي للأرض ويشكل غلافاً حولها إلى مسافة 50000كيلومتر. وقد اكتشفه عالم الفضاء الأمريكي (فان ألن) بعد غذوا الفضاء في عام 1965 . ويقوم هذا الغلاف المغناطيسي إما بصد الجسيمات المشحونة القادمة من الفضاء الخارجي، وإما باصطيادها واقتيادها ناحية قطبي الأرض المغناطيسي. وقد أطلق على هذه الأحزمة الإشعاعية اسم (أحزمة فان ألن)، كما بينت سفينتي الفضاء الأمريكية (Explorer) الأول والثانية، في عام 1958، وجود نوعين من الأحزمة الإشعاعية على هيئة حلقتين تتطابقان مع المستوى الاستوائي المغناطيسي للأرض. ويقع الحزام الإشعاعي الداخلي على مسافة ألفين كيلومتر فوق سطح البحر. لذلك فلابد أن يكون رواد الفضاء في مناطق بعيدة عن هذا الحزام. واعتبر الارتفاع الأقل من 400كيلومتر فوق سطح البحر بداية الأمان في عمليات ارتياد الفضاء. وقد ساعدت سفن الفضاء والأقمار الصناعية على التوصل إلى فهم أعمق لهذه الطبقة الهامة.
صورة توضيحية لتوضع طبقة الماجنتوسفير
الشمس بعد غزو الفضاء:
لم يكن هناك وسيلة لدراسة الشمس ـ حتى بداية الحرب العالمية الثانية ـ إلا بالمناظير البصرية. وأثناء الحرب اكتشف أحد مهندسي الرادار (بالدفاع الجوي البريطاني) وجود تشويش راداري ضعيف مصدره الشمس. وكان هذا بداية لعام (الفلك الراديوي)ن الذي أمكن بواسطته الحصول على معلومات خلال النصف الثاني للقرن العشرين الميلادي عن الشمس والأجرام السماوية البعيدة (بما فيها المجرات الخارجية والكوزرات والنجوم النابضة) أكثر بكثير من المعلومات التي حصل الإنسان منذ الخليقة (عن طريق رصد هذه الأجرام السماوية بالعين المجردة أو التلسكوبات البصري).
وكانت أشعة الراديو بأطوالها الموجية المختلفة (ابتداء من المليمترية حتى الكيلومترية) هي النافذة الثانية التي نطل منها على الكون.
ومع غزو الإنسان للفضاء، في نهاية الخمسينات من القرن العشرين الميلادي، كان هناك احتمالات نظرية لوجود أشعة قصيرة الموجة ذات طاقة عالية تصدر من الشمس (كأشعة إكس وأشعة فوق البنفسجية ذات طول موجي أقصر من ثلاثة آلاف أنجستروم). وأثبتت التجارب الأولى البنفسجية ذات الطاقة العالية، وكذلك أشعة إكس المنبعثة من الشمس، إلا أن الله شاء أن يحمينا من هذه الأشعة عن طريق امتصاص أشعة إكس في طبقة الأيونوسفير (على ارتفاع حوالي مائة كيلو متر فوق سطح البحر) حيث تحول هذه الأشعة ذرات الغازات المتعادلة إلى أيونات وإليكترونات حرة سالبة .
أما الأشعة فوق البنفسجية من النوع BوCفإنها تمتص في طبقة الأيونوسفير على ارتفاع يتراوح ما بين ثلاثين إلى خمسين كيلومتر، وهي أشعة مهلكة، ومن هنا تأتي خطورة (ثقب الأوزون) في أقطاب الأرض، وخطورة احتمال زحفه على خطوط العرض المنخفضة.
كما أثبتت التجارب الأولية أن هناك هروب للبروتونات والنيترونات والإلكترونات ونويات الذرات الخفيفة من الغلاف الجوي الشمسي إلى الفضاء الخارجي، وهو ما يسمى (وسط ما بين الكواكب).وتعرف هذه الظاهرة (بالرياح الشمسية) ويمثل الماجنتوسفير ـ على ارتفاع يقدر بآلاف الكيلومترات فوق سطح البحر ـ الدرع الواقي للأرض ومظاهر الحياة الموجودة عليها من أضرار هذه الرياح والعواصف المهلكة، والمسماة (الرياح الشمسية Solar winds)، كما ذكرنا.
ومع نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن العشرين الميلادي بدأ الرصد المنتظم لأشعة إكس الصادر من الشمس، بواسطة الأقمار الصناعية لوكالة الفضاء الأمريكية (Nasa) والذي أضاف الكثير من المعارف والمعلومات عن الغلاف الجوي الشمسي والإنفجارات الشمسية والأجرام الشمسية الأخرى التي تصدر عنها أشعة إكس. وسميت مجموعة الأقمار الصناعية التي أطلقت لهذا الغرض باسم GOES، وقامت هذه الأقمار أيضاً بقياس سرعة وطاقة ومكونات وكثافة الرياح الشمسية.
وفي أوائل السبعينات من القرن العشرين الميلادي تم تسجيل أول أشعة جاما صادرة من الشمس، والأجرام السماوية المسمى (Comptonكمبتون)، وهو المستقر على ارتفاع يقدر بحوالي أربعمائة كيلومتر فوق سطح البحر، وقد أثبت أن الكون يموج بظواهر طاقية غير عادية(High Energetic Phenomena).
كما أرسلت أقمار صناعية لتسجيل الأشعة فوق البنفسجية ذات الطاقة العالية من الشمس بواسطة وكالة الفضاء الأمريكية NASAوهي :
NOAA-9,NIMBUS-7,SOLSTICE.
وكان هناك سؤلاً محير وهو : هل الشمس نجم مستقر أم متغير في لمعانه؟ لذلك كان لابد من قياس ما يسمى ب
ثابت الإشعاع الشمسي Solar Constant نم(1)وحيث كانت هناك أخطاء كبيرة في قياس هذا الثابت عند سطح الأرض، لذلك قامت وكالة الفضاء الأمريكية ووكالة الفضاء السوفيتية بإطلاق قمر لكل منها مع نهاية السبعينات لقياس ثابت الإشعاع الشمسي، الذي ثبت أنه متغير وله علاقة بدورات نشاط الشمس. وهذه الأقمار هي : ERBS,NOAA-9 and 10,UARS.
كما أرسلت وكالة الفضاء الأمريكية مجموعة من الأقمار (IMP) لقياس بلازما الشمس والمجال المغنطيسي لوسط مابين الكواكب.
وبقي هناك شيء أخير وهو الأشعة تحت الحمراء البعيدة الصادرة من الشمس والتي لا يمكن أن تصل إلى سطح الأرض نتيجة لامتصاصها بواسطة ثاني أكسد الكربون وبخار الماء في الغلاف الجوي للأرض. ما هو صورة الشمس، في هذه المنطقة الطيفية المفقودة على الأرض.. لذلك في التسعينيات تعاونت وكالة الفضاء الأوربية ESAمع وكالة الفضاء الأمريكية NASAفي السبعينيات من أجل تصنيع القمر الصناعي الكبير (SOHO) لدراسة الشمس بالأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية. وكذلك أطلقت وكالة الفضاء اليابانية قمرها الصناعي (YOHKOH) لدراسة الشمس بأشعة جاما وأخذ صورة يومية للشمس في أشعة إكس (Soft –Xrays) .
لقد أضافت دراسة الشمس بالأقمار الصناعية الكثير جداً لعلم (فيزياء الشمس) بصفة خاصة، و(للفيزياء الفلكية) بصفة عامة، وأزالت الكثير من الغموض الذي كان علماء الفضاء يواجهونه أثناء رصدهم أو تفسيرهم لبعض الظواهر الفيزيائية في الكون، ومعظمها ظواهر ذات طاقة عالية جداً.
وأصبح حجم لمعلومات التي وصل إليها علماء الفضاء عن الشمس والكون خلال الأربعين عاماً الأخيرة (بفضل الأقمار الصناعية في الفضاء الخارجي) يفوق حجم المعلومات التي تواصلوا إليها منذ الخليقة، سواء باستعمال التلسكوبات البصرية أو الردياوية، وأصبح هذا العلم الفضائي الجديد هو (Space Solar Physics)في حالة الشمس، أو هو (Space Astrophysics