ويطلق عليها (الرفق بالحيوان) فمثلما تتسع دوائر الماء إذا أسقطت عليه حجراً ، كذلك دوائر الرحمة في الاسلام تتسع وتتسع لتشمل الانسانية برمّتها . فمن الرحمة بالوالدين ، إلى الرحمة بالأقرباء والجيران ، إلى الرحمة بالأصدقاء والإخوان ، إلى الرحمة بالناس أجمعين ، إلى الرحمة بالحيوان .
هذا الكائن الجميل في تعدّد مناظره وأشكاله وألوانه وحجومه وأغراضه ، وما يعبّر عنه من دروس للانسان ، وما فيه من راحة فيما يساعد به الانسان من نقله هو أو نقل أثقاله ، له حقّ الرحمة أيضاً .
فالاسلام لا يرتضي لك أن تجيع الحيوان أو تعطشه ، ولا أن تثقل كاهله فوق ما يطيق ، ولا أن تضربه ضرباً مبرّحاً ، وأن تتيح له المجال في أن تستريح من تعب وعناء النهار فلا تجور عليه بالعمل ليلاً ونهاراً .
وقد أكّد الاسلام على الرفق بالحيوان ، وعدّ ذلك من أبواب الرحمة والمغفرة ، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أ نّه قال : بينما رجل يمشي بطريق اشتدّ عليه العطش ، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ، ثمّ خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغني منزل البئر فملأ خفّه ثمّ أمسكه بفيه حتى رقى ، فسقى الكلب ، فشكر الله عزّ وجلّ له ، فَغُفِرَ له .
فقيل : يا رسول الله ! إن لنا في البهائم لأجراً ؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «في كل ذات كبد رطبة أجر»(37) .
وهكذا غُفِر للرجل وحصل على رحمة الله لرفقه بالكلب وسقايته له ، وهكذا يقرر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن في سقاية كل مخلوق ذي كبد أجراً .
كما لم يرتضِ الاسلام حبس الحيوان وسجن الطير ، وشهيرةٌ هي قصة المرأة عذّبت في النار لأ نّها أذت قطة ، فقد روي عن الإمام (عليه السلام) ، قال : «إن امرأة عذّبت في هرّة ربطتها حتى ماتت عطشاً»(38) .
فلم يجز الاسلام تعذيب الحيوان أو التمثيل به ، فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا تجوز المُثلةُ ولو بالكلب العقور» .
ولقد جسّدَ المسلمون من أهل اليمن ـ وربّما كان هناك غيرهم ـ أخلاق الاسلام في الرحمة بالحيوان والرفق به في أحد أسواق صنعاء المعروفة بـ (سوق العرج) حيث تربط في إحدى ساحات السوق الخيول الضعيفة والحمير المتعبة أو التي كسرت أرجلها بعد أن يُهيّأ لها الماء والعلف حتى تنفق ، أي تترك هناك بلا استعمال حتى يأتيها الموت((39)) .
إنّ دعوة الاسلام للرفق والرحمة بالحيوان هي من باب أولى دعوة لاحترام الانسان والرحمة به ، فإذا كان الاسلام رحيماً بالكائن الذي لا ينطق ولا يعقل ولا يمتلك أحاسيس الانسان ومشاعره ولا كرامته وموقعه ، فما بالك بأكرم الخلق وأفضل الكائنات .
اقرأوا ما يفعله الطواغيت بالناس وبالمؤمنين وبالأحرار وبالصالحين لتعرفوا أنّ الحيوان اليوم أسعد حظّاً من الانسان ، فبعض الدول ترعى الكلاب والقطط وتدافع عن حقوقها ، ولا تقيم لمجزرة بشرية وزناً !